تحدي التدقيق في ثقافة الـ FOFO "الخوف من اكتشاف الحقيقة

تحدي التدقيق في ثقافة الـ FOFO


بقلم: ريتشارد تشامبرز | 21 سبتمبر 2025


كنتُ في حديثٍ مؤخرًا عندما استخدم أحد الزملاء اختصارًا لم أسمع به من قبل: FOFO، وهو اختصار لعبارة “Fear of Finding Out” أي الخوف من اكتشاف الحقيقة. كان يصف به ثقافة مؤسسته. للأسف، يستطيع كثير من المدققين الداخليين أن يتفهموا ذلك جيدًا، إذ يعملون في بيئاتٍ يفضل فيها القادة تجنّب مواجهة “الحقائق المزعجة”.


ما المقصود بثقافة FOFO؟

لطالما تبنيتُ تعريف الثقافة على أنها “الطريقة التي تُدار بها الأمور هنا”.
في ثقافة FOFO، يتجنّب القادة كل معلومة قد تكشف عن مشكلات محتملة، ويفضلون عدم المعرفة بالمخاطر أو أوجه القصور أو الإخفاقات، لأن التفكير السائد هو: إذا لم ننظر، فلن نضطر إلى التعامل معها.”

وتتّسم ثقافة FOFO بعدة سمات رئيسية، من أبرزها:

  • قادة يتجاهلون إشارات الإنذار أو يقللون من أهمية المخاوف.
  • نقل الأخبار السيئة أمرٌ مثبط، بل وقد يُعاقب عليه أحيانًا.
  • الشفافية تُعتبر تهديدًا.
  • الموظفون يلتزمون الصمت خوفًا من العواقب.
  • الراحة قصيرة الأمد تُفضَّل على الصمود طويل الأمد.

في مثل هذه الثقافات، يُنظر إلى الحقيقة أحيانًا كأمرٍ خطير. يحصّن القادة أنفسهم ضد المساءلة، ويُدرك المديرون المتوسطون والموظفون أن الإفصاح عن الخطأ يحمل في طيّاته مخاطر شخصية.


تحدي المدقق الداخلي

بصفتنا مدققين داخليين، تقع على عاتقنا مسؤولية مهمة: تسليط الضوء على المخاطر ونقاط الضعف والقصور في الرقابة.
وفي الثقافات الصحية، يُقدَّر هذا الدور ويُنظر إليه كقيمة مضافة.
أما في ثقافات FOFO، فغالبًا ما يُنظر إلى التدقيق الداخلي كتهديد، مما يجعل الصدام مع الإدارة أمرًا لا مفر منه.

وفيما يلي أبرز المظاهر التي شاهدتها على أرض الواقع:

1.     مقاومة نتائج التدقيق:
قد تنكر الإدارة ما توصل إليه التدقيق الداخلي، أو تبرره، أو تقلل من أهميته. على سبيل المثال، يمكن تجاهل تقرير يظهر ثغرات في الالتزام بزعم أنه “مبالغ فيه”، أو بالقول إن “الجهات الرقابية لم تثر هذه المسألة من قبل” أو “هذه طريقتنا المعتادة”. الهدف من ذلك هو التقليل من شأن المشكلة حتى لا يُضطر أحد للتعامل معها.

2.     حجب المعلومات:
لا يمكن للمدققين الداخليين العمل بفعالية من دون الوصول إلى المعلومات. في ثقافة FOFO، قد تُبطئ الإدارة وصول البيانات أو تمنعه. يتم تأخير الردود أو إرسال مستندات غير مكتملة، وأحيانًا يُقال صراحة إن “المعلومات غير متوفرة”. هذه الأساليب تُحبط عملية التدقيق وتشير إلى أن القيادة لا ترغب في معرفة الحقيقة.

3.     تهميش التدقيق الداخلي:
بدلاً من اعتبار التدقيق الداخلي شريكًا، غالبًا ما يتم تهميشه. قد يُوصف المدققون بأنهم “شرطة” أو “مفتشو التزام”، وتُحجب عنهم الدعوات للاجتماعات المهمة، مما يضعف قدرتهم على استباق المخاطر ومعالجتها.

4.     الانتقام – المباشر أو غير المباشر:
في بعض البيئات، يواجه المدققون الذين يكشفون عن حقائق غير مريحة مخاطر شخصية. قد يكون الانتقام خفيًا كإبطاء الترقيات، أو استبعادهم من صنع القرار، أو تشويه السمعة. وفي بعض الحالات، كما وثّقتُ سابقًا، يتعرض المدققون لضغوط لتعديل تقاريرهم أو مغادرة المؤسسة. مثل هذه الحالات تترك أثرًا مخيفًا على الرقابة المستقبلية.

5.     نقاط عمياء لدى لجنة التدقيق:
تُجيد ثقافات FOFO “إدارة الصورة للأعلى”، إذ لا تُعرض على لجان التدقيق سوى المعلومات التي ترغب الإدارة في إظهارها. وإذا تم تقييد التدقيق الداخلي، فستصل اللجنة إلى صورة مشوهة للمخاطر، مما يُضعف الحوكمة ويُنشئ وهمًا بأن “كل شيء على ما يرام”.

النتيجة التراكمية محبطة؛ فالمدققون الداخليون الذين انضموا للمهنة لإضافة القيمة يجدون أنفسهم في صراع دائم مع ثقافة مؤسستهم، وتصبح مهمتهم في حماية أصحاب المصلحة أكثر صعوبة عندما يقاوم أصحاب السلطة مواجهة الحقيقة.

لكن هنا تكمن أهمية دورنا الحقيقية؛ فإذا تراجعنا أمام ثقافة FOFO، ستظل المخاطر دون معالجة. قد يبدو أن المؤسسة بخير، لكن نقاط الضعف تتراكم، وعندما تظهر، تكون كلفتها أعلى بكثير مما لو عُولجت مبكرًا.


استراتيجيات للتعامل مع ثقافة FOFO

1.     ابنِ علاقات قبل إيصال الأخبار السيئة:
في بيئات FOFO، الثقة نادرة. إذا ظهرتَ فقط عند وجود مشكلة، فستُواجه بالمقاومة. كوّن علاقات مسبقة مع القادة، واظهر فهمك للأعمال، وقدّم رؤى تساعدهم على النجاح. الثقة لن تقضي على FOFO، لكنها ستخفف من حدتها.

2.     اربط كل شيء بالمخاطر:
صِغ ملاحظاتك بلغة المخاطر التي تهم القيادة. فثقافات FOFO تخاف من “الفضيحة” أكثر من الفشل. اربط القضايا بالمخاطر الاستراتيجية أو المالية أو الامتثالية أو السمعة، حتى يصعب تجاهلها.

3.     استخدم لجنة التدقيق كرافعة:
لجان التدقيق موجودة للرقابة، وغالبًا ما تكون أقل تسامحًا مع FOFO من الإدارة التنفيذية. احرص على التواصل المباشر والواضح، وقدّم تقارير دقيقة وموضوعية، ووضح للجنة المخاطر الناتجة عن أي تقاعس إداري.

4.     وثّق كل شيء بلا هوادة:
في ثقافة FOFO، المساءلة هشة. احتفظ بسجلات لجميع الطلبات والمراسلات وردود الإدارة والإجراءات المتخذة. هذا يحمي فريقك ويوفر دليلًا واضحًا، فإذا أنكرت القيادة علمها لاحقًا، ستكشف الوثائق الحقيقة.

5.     كن قدوة في الشجاعة والنزاهة:
ثقافة FOFO تزدهر في بيئة الصمت، لذا يجب أن نرفض الصمت. الشجاعة لا تعني المواجهة المتهورة، بل الاحتراف الثابت. صِغ الحقائق بوضوح حتى لو كانت غير مرحّب بها، وتمسّك بواجبك تجاه أصحاب المصلحة. لا يمكن لثقافة FOFO أن تتغير إذا ساهمنا نحن في التستّر بالصمت.


الخط الثالث في ثقافة FOFO

التدقيق في ثقافة FOFO ليس سهلًا؛ فهو يتطلب مهارة وشجاعة ومثابرة.
قد تُؤخّر هذه الثقافة المساءلة، لكنها لا تُلغي المخاطر.
وعندما نُصرّ على أداء دورنا، نصبح خط الدفاع الثالث الذي يمنع الكارثة.

قد لا ننجح دائمًا في تغيير ثقافات FOFO، لكننا نستطيع كشف المخاطر، وحماية أصحاب المصلحة، ومنح الحقيقة فرصة للظهور.
وهذا هو جوهر مهنتنا، وفي ثقافات FOFO قد يكون أهم أدوارنا على الإطلاق.


ريتشارد تشامبرز
ريتشارد تشامبرز، حائز على شهادات CIA, CFE, QIAL, CRMA, CGAP، هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Richard F. Chambers and Associates, LLC.
شغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد المدققين الداخليين العالمي (IIA) من عام 2009 إلى 2021، وهو الهيئة العالمية المهنية والمعنية بوضع المعايير في مهنة التدقيق الداخلي.
يمتلك تشامبرز أكثر من أربعة عقود من الخبرة في خدمة وتعزيز مهنة التدقيق الداخلي.